هذا اسمك الحقيقي؟ قوليه مرة أخرى.
الجملة الأشهر في حياة “نيروز” على اختلاف السائلين والأمكنة، من صانع القهوة صباحًا إلى العملاء في قاعات الاجتماعات الواسعة.
وهو اسم فريد بالفعل، ولمن كان يستمتع بحصة الأدب في المرحلة الثانوية، سيذكر في اللحظة الأول من اللقاء أبيات الشاعر البحتري:
“أتاك الربيع الطلق يختال ضاحكًا من الحسن، حتى كاد أن يتكلما
وقد نبه النيروز في غسق الدُّجى أوائل ورد كن بالأمس نوما”
ربما لم يدرك العم سعيد -رحمه الله- في الأسبوع الأول من ولادتها بأنه مع اختيار هذا الاسم لابنته الثالثة سيكون كالشامة على وجه الحسناء في حياة “نيروز”، يميزها ويضيف إلى حضورها حضورًا، ولكنه حتمًا أدرك بأنها ستعيش حياة بفصولها الأربعة، وتواجه صيف أيامها بأمل الربيع، فلها من اسمها نصيب.
نيروز؛ لجميل الحظ أنها صديقتي التي امتدت صداقتها من أختي نجلاء إلي، وإلى العائلة، أدين لها بحياة كاملة من القوة لمواجهة حياتي؛ فكل إنسان لديه هذا الصديق أو الأخ في قائمة أول من يخبرهم بكل شيء، وهي الأولى في الاستشارة والبشرى ولحظة الإقبال على الحب والهرب من الحزن، حاضرة في أبسط المواقف حتى القرارات المصيرية.
واخترت أن تكون هي الأولى التي أكتب عنها، لأني أكتب وأنشر الآن بسببها، فهي التي دفعت بي إلى هذا الدرب الذي هجرته منذ سنوات طويلة، بعد جلسة طويلة في المقهى المعتاد.
“نيروز” تجيد بإتقان تحليل المواقف وقراءة الناس والسخرية في أشد المواقف جدية، فتضفي بتعليقاتها اللاذعة على الموقف شيئًا لا يمكنك توقعه. تجبرني بعقلها المنطقي جدًا على أن أنظر إلى حقيقة ما يخيفني بابتسامة، بعيدًا عن ضباب التوقعات والتكهنات، وأدخل قلب العاصفة مطمئنة بأنها ستنتظرني في الجهة الأخرى لتخبرني.. ألم أقل لكِ بأنكِ ستنجحين؟
تراها تدخل مبنى عملها العملاق بنظارتها ذات الحواف الذهبية حاملة في شنطتها الأفكار الجديدة، والانتقادات الدقيقة لكل الملفات التي وقعت بين يديها، وكل مرة رغم براعتها المعتادة تتفاجأ من نفسها بأنها قفزت العقبة التي كانت تخشاها بكل احترافية وخفة، وكل مرة تقول.. فعلتها حق؟ ولا تصدق ما نصدقه فيها، أننا من اللحظة الأولى عرفنا بأنها حتمًا ستنجح.
هي هكذا؛ تقبل على التجربة بقلب جسور وعقل يتربص بالمتغيرات، ولم تتخلَ يومًا عن الشك والسؤال الذي يجعلها تمشي على أطراف أصابعها في كل مرة تكون أمام تحدٍ جديد.
نيروز، بالنسبة للجميع الإنسانة القوية، لينة القلب صافية السريرة، وبالنسبة لي مع كل ذلك “عيد الربيع” بكل ألوان أزهاره، واحتفالاته وأهازيجه ورقصاته التي لا تنتهي.